سورة إبراهيم - تفسير تفسير القشيري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (إبراهيم)


        


في قوله: {ربِّ اجعلني مقيم الصلاة...} إشارة إلى أن أفعال العباد مخلوقة، فمعناه اجعل صلاتي، والجَعْلُ والخَلْقُ بمعنى، فإذا جعله مقيمَ الصلاة فمعناه أن يجعل له صلاةً.
وقوله: {وَمِن ذُرِّيَّتِى} أي اجعل منهم قوماً يُصَلُون، لأنه أخبره في موضع آخر بقوله: لا ينال عهدي الظالمين [البقرة: 124].
ثم قال: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِى وَلِوَالِدَىَّ} وهذا قيل أن يعلم أنه لا يُؤْمِن.
ويقال إن إجابة الدعاءِ ابتداءُ فضلِ منه ولا ينبغي للعبد أن يَتَّكِلَ على دُعاءِ أحد وإن كانْ عَلِيَّ الشأن، بل يجب أن يعلق العبد قلبه بالله؛ فلا دعاءَ أتمُّ منْ دعاءِ إبراهيم عليه السلام، ولا عنايةَ أتمُّ من عنايته بشأن أبيه، ثم لم ينفعه ولا شفع الله له.
ويقال لا ينبغي للعبد أن يترك دعاءه أو يقطعَ رجاءَه في ألا يستجيبَ الله دعاءَه، فإن إبراهيمَ الخليلَ عليه السلام دعا لأبويه فلم يُسْتَجَبْ له، ثم إنه لم يترك الدعاء، وسأل حينما لم يُجَبْ فيه. فلا غضاضةَ على العبد ولا تناله مَذَلَّةٌ إِنْ لم يُجِبْهُ مولاه في شيء؛ فإِنَّ الدعاءَ عبادةٌ لا بدَّ للعبد من فِعْلها، والإجابةُ من الحقِّ فضل، وله أن يفعل وله ألا يفعل.


قوله جلّ ذكره: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ}.
هذا وعيدٌ للظالمين وتسلية للمظومين؛ فالمظلوم إذا تحقَّق بأنه- سبحانه- عالِمٌ بما يلاقيه من البلاء هانت على قلبه مقاساته، وحق عليه تحمله.
والظلم على وجوه؛ ظلمٌ على النَّفْس بوضع الزَّلَّةِ مكان الطاعة، وظلم على القلب بتمكين الخواطر الردية منه، وظلم على الروح بجعلها لمحبة المخلوقين.
ويقال من جملة الظالمين الشيطانُ، فالعبدُ المؤمِنُ مطلومٌ من جهته، والحقُّ- سبحانه- ينتصف له منه غداً، وذلك إنْ لم يَتَّبِعْهُ اليومَ، وَدَفَعَه عن نفسه بالمجاهدة وترك وساوسه.
قوله جلّ ذكره: {إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِى...}.
وهذا للعوام من المؤمنين، علَّق قلوبهم بالانتقام منهم في المستأنف، وأمَّا الخواص فإذ علموا أنه- سبحانه- عالِمٌ بهم وبحالهم فإنهم يعفون ويكتفون بذلك، وأَمَّا خواص الخواص فإذ علموا أنهم عبيده فإنهم لا يرضون بالعفو عن ظُلْمِهم حتى يستغفرَ لهم، كما قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون»، وفي معناه أنشدوا:
وما رضوا بالعفو عن ذي زلة *** حتى أنالوا كفَّه وازدادوا
وأمَّا أصحاب التوحيد فإذا عَلِمُوا أنه المنشئُ، وألا مخترعَ سواه فليس بينهم وبين أحدٍ محاسبة، ولا مَعَ أحدٍ مُعَاتَبَة، ولا منه مطالبة، لأنهم يَعُدُّون إثباتَ الغيرِ في الظن والحسبان شِرْكاً.


أفسدوا في أول أُمورهم، وقصَّروا في الواجب عليهم، ولم يكن للخَلَلِ في أحوالهم جبران، ولا لعذرهم قبول لتصحَّ الحجة عليهم، فافتضح المجرم منهم، وخاب الكافر، وحُقَّ الحكمُ عليهم.

7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14